بيان مؤتمر مسلمي أوروبا
توبكابي، استنبول، تركيا
(1- 2 يوليو / تموز 2006)
{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
صدق الله العظيم
(سورة الحجرات: الآية 13)
- إنّ وجود الإسلام في أوروبا ليس ظاهرة حديثة بل هو ذو جذور تاريخيّة عميقة ويتسم بالغنى الثقافي، فقد أدّى تفاعل المسلمين مع المجتمع الأوروبي عبر القرون إلى ازدهار في الفكر والمعرفة، وعاشت أعداد كبيرة من المسلمين في البلقان وشرق أوروبا ووسطها وجنوبها لمئات السنين حيث قام خلالها المسلمون بدور مهم في نقل المعرفة إلى أوروبا ثم إنتاجها في داخلها. وقد ساعد المسلمون إبّان الخمسينيات من القرن العشرين في إعادة بناء اقتصاديات غرب القارة الأوروبيّة التي مزّقتها الحرب العالميّة الثانية عندما وصلوا كمهاجرين يسعون وراء العمل واتخذوها موطناً لهم. ويُعد المسلمون، جزءاً لا يتجزأ من النسيج الأوروبي في كافة مناحي الحياة تقريباً. والمسلمون الأوروبيون يتمتعون اليوم بالاستقرار في أوروبا، فقد كانوا من المساهمين في بناء ماضيها وهم الآن من المشاركين في بناء حاضرها ومستقبلها.
- يشارك المسلمون المجتمعات الأوروبيّة في اتجاهها إلى الانفتاح والديمقراطيّة والتعدّديّة. التي من خلالها يتمتع المسلمون الأوروبيون بفرص للازدهار كمواطنين في بيئة تعدّديّة يستفيدون فيها من التعليم والرّخاء والتطوّر. ومواطنو أوروبا من المسلمين ملزمون شرعاً بالالتزام بقوانين بلدانهم التي تحافظ على الدّماء والأموال والحرمات والاستقرار، وهي كلّها من مقاصد الإسلام، وهم يتمتعون بحريّة الدين والعبادة ويستفيدون من سياسات العدالة الاجتماعيّة. ولأنهم يحملون أمانة المواطنة فهم مُلزمون بالدّفاع عن بلادهم والوقوف في وجه أي عدوان عليها.
- إنّ من واجب المسلمين وفق تعاليم الإسلام تعزيز التآلف في المجتمع ودعم قيم حُسْن الجوار، فالالتزام بالفضل والمروءة والصلاح وحُسْن الخلق في كل مناحي الحياة خصال حميدة يدعو إليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة. وهي خصال لها أهميتها الكبرى وتحكم سلوك المسلم في كل الأدوار التي يقوم بها في الحياة بما في ذلك دور المواطن الفاعل. ولا شكّ أنّ العمل بتعاليم القرآن الكريم والترقّي إلى الفضائل الرّفيعة التي يحدّدها تجعل المسلمين قادرين على إغناء أوروبا عبر قيامهم بدور القدوة الحسنة في الإصلاح والأمر بالمعروف كما جاء في القرآن الكريم:
{ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (سورة النحل، الآية 90)
- إن حريّة الدّين هي إحدى مبادىء المجتمع الديمقراطي، والإسلام أيضاً يقر بحريّة الدّين، فكما هو الحال في أوروبا اليوم يعطي الإسلام أيضاً أهميّة كبرى لهذه القيمة الأخلاقيّة، فيقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم:
{ لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ } (سورة البقرة، الآية 256 ).
{ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } (سورة الكهف، الآية 29 ).
- لمسلمي أوروبا – بصفتهم مواطنين يتمتعون بالفاعليّة وكامل حقوق المواطنة ويعون حقوقهم ومسؤولياتهم – الحقّ في الانتقاد والاحتجاج شأن كل المواطنين الأوروبيين في ذلك. ويمارس المسلمون في أوروبا حقّ الانتقاد والاحتجاج حسب مقتضيات العملية الديمقراطيّة في أوروبا ووفق ما جاء به الإسلام من آداب. فالإسلام يدعو المسلمين إلى الحفاظ على المصلحة العامّة للمجتمع ككل، وينهى عن المنكر.
- ولكننا كمسلمين ومواطنين أوروبيين نشهد أيضاً وللأسف التحديات التي تواجه مسلمي أوروبا، والمعاناة التي يفرضها هؤلاء الذين يكرهون وجود المسلمين في أوروبا، وتلك التحديات التي يشكلها أولئك الذين جعلتهم مشاعرهم المسيئة يضيقون ذرعاً بالمواطنين الذين يختلفون عنهم في اللون أو الثقافة أو العقيدة. وهذا خطر يجب علينا أن نتصدى له جميعاً في أوروبا. إننا نشجب ظاهرة العداء للإسلام والتمييز بكل أنواعه. وإذا ما تمّت معاملة أوروبا مسلميها كمواطنين من الدرجة الثانية أو اعتبرتهم عبئاً عليها أو حتى تهديداً للمجتمع فإنّ رصيد الثقة الذي تمّ تأسيسه على مرّ القرون – والذي هو جوهري لإحلال السلام في العالم – سيتعرّض للخطر الدّاهم.
لقد ازدادات مشكلات الحرمان والفقر خصوصاً بين الشباب المسلم، ويجب اعتبار الشباب الأوروبي المسلم قوّة إيجابيّة ينبغي أن تسهم في بناء الاقتصاد، وإثراء للنسيج الاجتماعي الأوروبي.
- إننا ندعو الحكومات الأوروبيّة بقوّة لدعم الحوار والتوافق، والمسارات الأمثل لذلك هي: التعليم الذي يدعم الفهم المتبادل والتفاهم، وكذا السياسات الاجتماعية التي يجب أن تعالج الظواهر السلبية: الاقتصادية والاجتماعية. لذلك نحيّي الحكومات الأوروبيّة التي اتّخذت إجراءات فعّالة لإزالة العنصريّة وسنّت القوانين التي تعاقب على كافّة أشكال التفرقة ضدّ الأقليّات سواء التفرقة السّافرة أو التفرقة المؤسسيّة. ونؤكّد في هذا السّياق أيضاً على أنّ على الإعلام دوراً مهمّاً في ضمان تغطية دقيقة ومسئولة.
- إنّ الإرهاب الذي يستهدف العدوان على الأبرياء في كل أشكاله هو ازدراء للإنسانيّة، ونحن نرفض أعمال العنف التي قامت بها قلّة قليلة من المسلمين أساءت لاسم الإسلام بممارستها العنف والترويع على المواطنين المسالمين، فالإسلام لا يسمح بحال من الأحوال بالعدوان وقتل المدنيين، وهو الإرهاب الذي يخالف مبادىء الإسلام وتعاليمه التي يؤمن بها كلّ العلماء وجلّ جمهور المسلمين. يقول الله تعالى:
{ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } (سورة المائدة، الآية 32 ).
- نلتزم باستمرار العمل لكي يعلو صوت الأكثرية المسالمة من المسلمين على صوت القلّة القليلة التي تسعى إلى نشر تفسيرها الخاطىء والمشوّه للإسلام كما نضمّ صوتنا إلى صوت العلماء المسلمين في العالم بأسره لنقول إنّنا نريد إزالة سرطان الإرهاب، وندعو الله أن يهدي كافّة الأطراف التي سقطت في غواية الغلو والعدوان.
- نناشد المجتمع الدولي أن يعمل بجد أكثر وبصفة مستمرّة لتحقيق العدل لكل الشّعوب ولإزالة الظلم والمظالم كما يحدث في فلسطين، والتي أسهمت في خلق حالة من اليأس والقنوط لدى كثير من المسلمين في العالم. إنّ الحرب ليست هي السّبيل لتسوية النزاعات ويجب أن نتعاون جميعاً على إيجاد وسائل أخلاقيّة وإنسانيّة لحلّ المشكلات.
- أخيراً، نحترم ونوافق على ما جاء في رسالة عمّان في نوفمبر/ تشرين الثاني للعام 2004 وما جاء في البيان الختامي الصادر عن المؤتمر الإسلامي العالمي الذي انعقد في عمّان في يوليو/ تموز من العام 2005 وما جاء في فتاوى مختلف العلماء من جميع المذاهب الإسلاميّة في العالم الإسلامي التي سبقت هذا المؤتمر والتي بُنِيَ عليها وما جاء في بيان مكّة والموجز الختامي لقمّة منظمة المؤتمر الإسلامي التي انعقدت في ديسمبر/ كانون الأول لعام 2005 ، وما جاء في بيان للمسلمين الأوروبيين الصادر من قبل المشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك للعام 2005 . وما جاء في البيان الختامي لمجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد بالأردن في يونيو/ حزيران للعام 2006 ، وما قرّره المجلس الأوروبي للإفتاء في دورته الخامسة عشر من توصيات لمسلمي أوروبا بحُسْن التعامل مع مواطنيهم والاندماج الإيجابي من أجل تحقيق التكامل الاجتماعي وحفظ العدل. إنّ تضامن المسلمين لتحقيق مقاصد الإسلام يأتي على رأس أولويات المسلمين جميعاً في أوروبا وفي كل مكان من العالم، لذا فإننا نتعاون مع المسلمين في العالم في مواجهة من يسعى إلى توظيف ديننا الحنيف وتشويه رسالته. ونتواصى بالتنسيق للعمل على تحقيق رسالة الإسلام العالميّة من نشر للسلام والإخاء والتّسامح، سعياً نحو تحقيق غاية التّعارف الإنساني.