{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا * وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (النساء 114-116).
كتاب إجماع المسلمين على احترام مذاهب الدين
(1) ملخص: إجماع تاريخي وفريد من نوعه
بين سنتي 1426 و 1427هـ/ 2005 و 2006م شهدت الأمة الإسلامية سلسلة أحداث تاريخية مهمة لا مثيل لها على مدى أربعة عشر قرناً، منذ زمن الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، ونتيجة هذه الأحداث أنه بفضل من الله تعالى وبمبادرة من ملك الأردن الهاشمي عبد الله الثاني ابن الحسين أجمع كبار علماء الأمة المعتبَرين وكبار سياسييها على ثلاثة أمور: (1) تعريف من هو المسلم؟ (2) ومن له الحق في أن يتصدى للإفتاء؟ (3) وهل يجوز التكفير، وفي ظل أية ظروف؟ ويمثل الإجماع على هذه المحاور الثلاثة (التي غدت تعرف الآن “بالمحاور الثلاثة لرسالة عمان “) اعترافاً فريداً متبادلاً وشاملاً وتاريخياً من المسلمين بعضهم ببعض بأخوتهم في الإسلام بواسطة أصوات أبرز مراجع مسلمي العصر من كل المذاهب والاتجاهات. كما أنه يمثل إجماع الأمة على الشروط المسبقة والمؤهلات والمعايـير التي تحدّد من هو مؤهل ليتصدى للإفتاء. لذلك فإن هذا يمثل تحديداً قاطعاً للإسلام الحقيقي في كل مذاهبه وتعريفاً وثيقاً. وبه يتجسد وعد توحيد أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
(2) رسالة عمان
بدأت العملية التي أدت إلى هذا الإجماع بفضل من الله في ليلة 27 رمضان 1425هـ/ 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2004 م في العاصمة الأردنية عمان في مسجد الهاشميين عندما أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين رسالة عمان. وكانت هذه الرسالة بياناًً مفصلاً معلناً عن ما هو الإسلام وما هو ليس بالإسلام، وما هي التصرفات التي تمثله وتلك التي لا تمثله. وكان هدفها أن توضح للعالم الحديث المعنى الحقيقي للإسلام ومعنى الإسلام الحقيقي، لأن مما يؤسف له أن الإسلام اليوم هو الدين الأكثر تعرضاً لسوء الفهم والتشويه، ونتيجة لذلك أصبح الدين الأكثر عرضة للذم على رغم من أنه يمثل أكثر من خمس سكان العالم. ولقد وُجهت هذه الرسالة إلى غير المسلمين في العالم (ولدى الأغلبية منهم فكرة سلبية عن الإسلام) وكذلك وجهت للمسلمين أنفسهم (والشباب على وجه الخصوص لكي لا تختلط في أذهانهم المفاهيم حول دينهم).
(3) المحاور الثلاثة لرسالة عمان
ولكي يوضح ويبين المعنى الحقيقي للإسلام ومعنى الإسلام الحقيقي، وأهم من ذلك لكي يـؤكد الوحدة الأساسية والأرضية المشتركة بين جميع المسلمين من كل المذاهب والمدارس وجـــه جـــلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ثلاثة أسئلة لأربعة وعشرين(1)(من كبار مجتهدي الأمة وعلمائها ومراجعها المعتبَرين من جميع أرجاء العالم ومن جميع المذاهب والمدارس الفكرية والتوجهات؛ والأسئلة هي: من هو المسلم؟ ومن له الحق في أن يتصــدى للإفتاء؟ وهل يجوز التكفير، وفي ظل أية ظروف ؟
وبناء على فتاوى هؤلاء العلماء المعتبرين (وكان من ضمنهم شيخ الأزهر – أكثر مرجع سني تقليدي يحظى بالاحترام – وأبرز المراجع الشيعية في النجف وإيران، والمراجع الزيدية في اليمن ومفتي عُمان الإباضي وأكبر المفتين والمجالس العليا للإفتاء لأكبر الدول الإسلامية التي لديها مثل هذه المجالس)، وجه جلالة الملك عبد الله الثاني إلى عقد مؤتمر إسلامي شارك فيه حوالي 200 عالم(2) من 50 دولة في عمان في المدة 27-29 جمادى الأولى 1427هـ/ 4-6 تموز/ يوليو 2005 م. وأجمع العلماء على البيان التالي ووقّعوا عليه، وهو البيان الذي غدت محاوره الثلاثة الأولى، حول التكفير والمذاهب والفتاوى ، تعرف بمحاور رسالة عمان الثلاثة