بسم الله الرحمن الرحيم
والحمْد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،
أيّها الإخوة الحضور الكرام،
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،
فإنّه ليسرّني غاية السّرور أنْ أرحب بكم أجمل التّرحيب، وأنتم تجتمعون اليوم في عمّان، للبحث في مختلف القضايا والتّحديات التي تواجه الأمّة الإسلاميّة. فأهلاً ومرحباً بكم ضيوفاً وعلماء لهم كلّ الاحترام والتّقدير.
أيّها الإخوة الأعزّاءْ،
لقد أرسى الإسلام عبر العصور أحسن القواعد للعلاقات الإنسانيّة بين الأفراد والأمم والشّعوب، بغض النّظر عن الاختلاف في العقيدة أو اللّون أو الجنس، على قاعدة من التّسامح والحوار مع الآخرين، لما فيه الخير للإنسان في كل مكان وفي كل زمان. لكنّ المشكلة اليوم هي ما تتعرّض له الأمّة الإسلاميّة من حملات التّشويه والإساءة والتّجني على الدّور الذي يمكن أنْ تنهض به هذه الأمّة في هذا العصر.
وبداية، دعونا نعترف بأنّنا نحن المسلمين قد قصّرنا في حق ديننا وفي حق أنفسنا. وقد أسهم بعض من المسلمين أو ممّن يرفعون شعارات إسلاميّة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والإساءة إليهم، بقصد أو بغير قصد.
فالفرْقة بين أبناء الأمّة، وأعمال العنف والإرهاب التي تمارسها بعض الجماعات والمنظّمات، وما يجري في العراق والباكستان وغيرها من بلاد المسلمين من تبادل تُهم التّكفير وقتل المسلمين باسم الإسلام، كلّها أمور مخالفة لجوهر الإسلام، والإسلام منها بريء، وهذه فتنة وفساد في الأرض، لأنها تعطي المبررات لغير المسلمين للحكم على الإسلام من هذا المنظور، والتدخّل في شؤون المسلمين واستغلالهم.
وقد رأينا أنّ من واجبنا كمسلمين، عامرة قلوبنا بمحبّة الله ورسوله، أن نكون في طليعة من يتصدّون لهذه الحملات الظّالمة، التي يتعرّض لها الإسلام. وأنْ نكون في طليعة الدّاعين إلى نبْذ الخلاف بين المسلمين، وتوحيد كلمتهم وموقفهم. ومن هنا جاءت رسالة عمّان، التي أعلنّاها في شهر رمضان الفضيل في العام الماضي، من مسجد الهاشمييّن في عمّان.
ثمّ دعونا إلى عقد هذا المؤتمر، الذي يجتمع فيه ممثلون لأتباع المذاهب الإسلاميّة الثّمانية، من مختلف البلدان والأقطار، للبحث في العديد من القضايا والتّحديات التي تواجه الأمّة، ووضع الحلول الجذريّة لكل هذه التّحديات.
وأولى هذه القضايا وأهمّها، هي توحيد موقف أتباع المذاهب الإسلاميّة الثمانية: السّنيّة الأربعة، والجعفري والأباضي والزّيدي والظّاهريّ، على مبدأ اعتراف أتباع كل مذهب من هذه المذاهب بصحّة إسلام أتباع المذاهب الأخرى، وعدم جواز تكفير أي مسلم من أتباعها، فاختلاف العلماء رحمة، ولنقتدي بقول الإمام الشّافعي:
“مذهبنا صواب ويحتمل الخطأ، ومذهب خلافنا خطأ ويحتمل الصّواب”.
وقد أفتى كبار علماء المسلمين ومراجعهم الموثوقة، وفتاواهم بين أيديكم، بصحّة هذا المبدأ وجوازه، لأنّ أتباع المذاهب الثّمانيّة متّفقون على المبادئ الأساسيّة للإسلام، فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى واحدا أحدا، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزّل، وبسيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام نبيّاً ورسولاً للبشريّة كافة. وكلّهم متّفقون على أركان الإسلام الخمسة: (الشّهادتيْن والصّلاة والزّكاة وصوم رمضان وحج البيت). وعلى أركان الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
أمّا الاختلاف فهو على بعض المسائل الفرعيّة، التي ظهرت بعد وفاة سيدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، لأسباب تتعلّق بالخلافة، وبعض أمور الدّنيا والسياسة. وقد تضمّنت فتاوى كبار علماء الأمّة الإسلاميّة صحّة التعبّد بأي من المذاهب الإسلاميّة الثّمانية.
وأفتى شيخ الأزهر، بأنّ الفكْر الصّوفيّ المعتدل مقبول ما دام يستند إلى شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، والتمسّك بأركان الإسلام الخمسة والقرآن الكريم. ذلك أنّ الاعتراف بالمذاهب، هو اعتراف بمنهجيّة الإفتاء، وتحديد من هو المؤهّل لهذه المهمّة. ممّا يؤدي إن شاء الله إلى عدم تكفير بعضنا بعضا، وإغلاق الباب أمام الجاهلين الذين يمارسون أعمال القتل والإرهاب باسم الإسلام، والإسلام منها بريء.
أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،
إنّكم تجتمعون اليوم، وعلى جدول أعمالكم العديد من القضايا والتّحديات التي تواجهها الأمّة الإسلاميّة. وأنتم بعون الله أهْل للتّصدي لهذه القضايا والتّحديات، وتحديد موقف الإسلام من كل واحدة منها. وإنّ ِمن أهم واجباتنا كمسلمين، أنْ نقدم الإسلام بصورته الحقيقيّة المشرقة. فالإسلام دين الوسطيّة والاعتدال والتّسامح والرّحمة، ومحاورة الآخرين بالعقل والحجّة، وليس دين العنف والإرهاب، أو التّعصّب والانغلاق. يقول الله سبحانه وتعالى:
(أدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمنْ ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) – (النّحل 125).
وقد قدّم الإسلام أحسن الأحكام في حماية حقوق الإنسان، وصون حريته وكرامته الإنسانيّة، بغض النّظر عن دينه أو جنسه أو لونه. يقول الله تعالى:
(يا أيّها النّاس إنّا خلقْناكمْ من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنّ الله عليم خبير) – (الحجرات 13).
وأكّد على أهميّة احترام حقوق الأقليات وغير المسلمين، الذين يعيشون داخل المجتمع المسلم. ووضع لنا المنهج الواضح في احترام العلاقات، والوفاء بالعهود بين المسلمين وغيرهم من الأمم والشّعوب. يقول الله تعالى:
(وأوْفوا بالعهْد إنّ العهْد كان مسؤولاً) – (الإسْراء 34).
وإنّ الإسلام الذي يرفض التّعصّب والانغلاق يدعونا إلى العلم والمعرفة. يقول الله تعالى:
(هلْ يسْتوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون) – (الزمر 9).
ويدعونا إلى الانفتاح على الآخرين، والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم في شتّى ميادين الحياة. يقول الله تعالى:
(فاسْألوا أهل الذكْر إنْ كنتم لا تعلمون) – (النّحل 43).
أيّها الإخوة العلماء الأفاضل،
إنّني على ثقة تامّة بأنّكم مدركون لحجم التّحديات التي تواجه المسلمين اليوم، والهجمة الشّرسة التي يتعرّض لها الإسلام من خلال التّشويه والافتراء عليه، بسبب عدم فهم بعض المسلمين لجوهر دينهم، وجهل كثير من غير المسلمين بطبيعة هذا الدين وقيمه النّبيلة.
ومن هنا تأتي أهميّة دوركم ومسؤوليّتكم في توحيد الأمّة الإسلاميّة بكل مذاهبها، وتعريف الآخرين بحقيقة ديننا ورسالته العظيمة.
والله سبحانه وتعالى يوفقنا جميعا لخدمة ديننا وأمّتنا، وتوحيد صفوف المسلمين.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
عمان، في 27 جمادي الأولى 1426 هجرية
الموافق 4 تموز 2005 ميلادية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وسلّم
]يا أيّها الناس اتقوا ربّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة [ [النساء 1]
بيان صادر عن المؤتمر الإسلامي الدولي الذي عقد في عمّان، عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، تحت عنوان (حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر)، في المدة 27- 29 جمادى الأولى 1426هـ/ 4- 6 تموز (يوليو) 2005م
وفقاً لما جاء في فتوى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر المكرّم، وفتوى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني الأكرم، وفتوى فضيلة مفتي الديار المصرية الأكرم، وفتاوى المراجع الشيعية الأكرمين (الجعفرية والزيدية)، وفتوى فضيلة المفتي العام لسلطنة عُمان الأكرم، وفتوى مجمع الفقه الإسلامي الدولي (منظمة المؤتمر الإسلامي- جدّة، المملكة العربية السعودية)، وفتوى المجلس الأعلى للشؤون الدينية التركية، وفتوى فضيلة مفتي المملكة الأردنية الهاشمية ولجنة الإفتاء الأكرمين فيها، وفتوى فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الأكرم،
ووفقاً لما جاء في خطاب صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية في افتتاح مؤتمرنا،
ووفقاً لعلمنا الخالص لوجه الله الكريم،
ووفقاً لما قدم في مؤتمرنا هذا من بحوث ودراسات وما دار فيه من مناقشات،
فإننا، نحن الموقعين أدناه، نعرب عن توافقنا على ما يرد تالياً، وإقرارنا به:
(1) إنّ كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله. وأيضاً، ووفقاً لما جاء في فتوى فضيلة شيخ الأزهر، لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعريّة، ومن يمارس التصوّف الحقيقي. وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح.
كما لا يجـــوز تكفير أيّ فئة أخــرى مـن المسلمين تؤمــن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان، وتحترم أركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
(2) إنّ ما يجمع بين المذاهب أكثر بكثير ممّا بينها من الاختلاف. فأصحاب المذاهب الثمانية متفقون على المبادىء الأساسيّة للإسلام. فكلّهم يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحداً أحداً، وبأنّ القرآن الكريم كلام الله المنزَّل، وبسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام نبياً ورسولاً للبشرية كافّة. وكلهم متفقون على أركان الإسلام الخمسة: الشهادتين، والصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت، وعلى أركان الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشرّه. واختلاف العلماء من أتباع المذاهب هو اختلاف في الفروع وليس في الأصول، وهو رحمة. وقديماً قيل: إنّ اختلاف العلماء في الرأي أمرٌ جيّد.
(3) إنّ الاعتراف بالمذاهب في الإسلام يعني الالتزام بمنهجية معينة في الفتاوى: فلا يجوز لأحد أن يتصدّى للإفتاء دون مؤهّلات شخصية معينة يحددها كل مذهب، ولا يجوز الإفتاء دون التقيّد بمنهجية المذاهب، ولا يجوز لأحد أن يدّعي الاجتهاد ويستحدث مذهباً جديداً أو يقدّم فتاوى مرفوضة تخرج المسلمين عن قواعد الشريعة وثوابتها وما استقرَّ من مذاهبها.
(4) إنّ لبّ موضوع رسالة عمّان التي صدرت في ليلة القدر المباركة من عام 1425 للهجرة وقُرئت في مسجد الهاشميين، هو الالتزام بالمذاهب وبمنهجيتها؛ فالاعتراف بالمذاهب والتأكيد على الحوار والالتقاء بينها هو الذي يضمن الاعتدال والوسطية، والتسامح والرحمة، ومحاورة الآخرين.
(5) إننا ندعو إلى نبذ الخلاف بين المسلمين وإلى توحيد كلمتهم، ومواقفهم، وإلى التأكيد على احترام بعضهم لبعض، وإلى تعزيز التضامن بين شعوبهم ودولهم، وإلى تقوية روابط الأخوّة التي تجمعهم على التحابّ في الله، وألاّ يتركوا مجالاً للفتنة وللتدخّل بينهم.
فالله سبحانه يقول:
[إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم تُرحمون [ [الحجرات 10].
والحمد لله وحده.
حول
حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر*
دولة الإمارات العربية المتحدة:
الولايات المتحدة الأمريكية:
جمهورية إندونيسيا:
جمهورية أوزبكستان:
جمهورية إيران الإسلامية:
جمهورية الباكستان:
مملكة البحرين:
جمهورية البرازيل:
البوسنة والهرسك:
مملكة تايلند:
الجمهورية التركية:
الجمهورية التونسية:
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية:
جنوب إفريقيا:
جمهورية روسيا الاتحادية:
المملكة العربية السعودية:
جمهورية سنغافورة:
جمهورية السنغال:
الجمهورية السودانية:
الجمهورية العربية السورية:
كندا:
* رتبت أسماء الدول المشاركة حسب الترتيب الهجائي.